قصة برود ومطر
نسمات العصر المنعشة، وضوء شمس العصرية الجميل، ورقرقات الماءفي حوض السباحة للأطفال أمامي، كان كل ما أبحث عنه ذاك المساء، فبعد أسبوع طويل من العمل الجاد احتجت للهدوء والاسترخاء، بصحبة صغاري، وبينما كنت مسترخية إذ بأنامل ابنتي على كتفي تنبهني، : ماما، شوفي هناك، الي في البوفيه، تطالعك من ساعة يمكن،اتعرفينها،...؟؟
نظرت حيثأشارت ابنتي لأرى إمرأة تجلس هناك ، وتحدق بي بابتسامة، امرأة اظن اني اعرفها، حاولت أن أتذكرها، ترى من هذه وجهها ليس غريبا، يكاد يكون مألوفا، لكني لم اجد لها معرفا بعد...!!!، …….. فقلت قد تكون عميلة قديمة، نسيت وجهها، أو متدربة، في إحدىدوراتي، ….. وعندما أردت أن أرفع عيني عنها، وجدتها تلوح لي بيديها، ثم قامت منكرسيها، وخرجت من البوفيه، متجهة نحوي، وبينما كانت تقترب،
كانت صفحات الذكرى تتقلب سريعا في فكري، صفحات انبثقت من خزانة الذكريات الجميلة، والأيام الحالمة، تلك هي ، تلك هي صديقتي القديمة....!!!!
كانت برود حديث الجامعة قبل سنوات طويلة عندما كنا زميلتيندرس في ذات الكلية، اكتسبت ألقابا عديدة ولأسباب متعددة،كانت تسمى بذات الوشاح المخملي، لفرط أناقتها، وعلوذوقها،وسميت بالقطة السيامية، لروعة هيئتها، ورقةسلوكياتها، وجاذبية طلتها،
وكنت شخصياأسميها العاصفة، لأنها لا توجد في مكان إلا وتثير عواصفالإعجاب، ...!!! أهلا يا برود قلت في نفسي قبل أن تدنوا مني... وشعرت بشيء من الحنين إلى الماضي الطيف، ...
كانت برود إحدى صديقاتي المقربات، ألتقيتها في الجامعة تعرفت عليها في مساق جمعنا، فوجدت فيها انسانة تستحق التقدير، والثقة، وكانت مجتهدة ومتفوقة، وكنت أحب التعامل مع هذا النوع من الطالبات، فهن يشعن في النفس المزيد من الحماس للدراسة والعمل، اليس الصديق قبل الطريق،
الحياة في الجامعة لم تكن لتمضي بلا صديقة صدوقة، ورغم وجودالكثير من الصديقات حولي، بقيت هي أكثرهن قربا مني،والغريب، أنه رغم تلك العلاقة الوطيدة والصادقة التي جمعتني بها، إلا أننا افترقنا بعد التخرج، فراقا مفاجئا، ولست أذكر كيف، ولاأذكر من منا توقفت فجأة عن الإتصال بالأخرى،
شريط الذكريات مر أمام عيني سريعا كومضات لحظية خاطفة، وأنا أنظرإليها تقترب نحوي، وابتسامتها الدامعة تسبقها، وذراعيها يهمان بالإحتضان، …………: بَرود..!!! قلت بصوت مخنوق: لا أصدق ……
دعوتها لتجلس: كيف حالك،………..؟ ياه بعد كل تلك السنوات، …….
- كنت أراقبك منذ زمن، وترددت في الحضور للسلام عليك، ثم ما إنرأيتني حتى شعرت بقدمي تسبقاني إليك….
- ولم ترددت..... لا تعلمين كم من السنوات وأنا أبحث عنك، لمأجد لك رقما، حتى هاتف بيتكم تغير....
- تجامليني، أم حاولتفعلا،
- بل حاولت، ...... وقد سألت عنك بعض الصديقات، ولكنهن جميعالا يعلمن عنك شيئا،
نظرت بعد سماعها هذه العبارة باتجاه الحوض، وقالت: طيب، .... كيف حالك أنت.....؟ هؤلاء أولادك......؟
- نعم، وأنت أليس لديك أولاد....؟؟
- بلى.... هناك،
فنظرت للبعيد، فرأيت طفلتين تلعبان، وطفل صغير تحمله الخادمة،
- ماشاء الله، ربي يخليهم، ......
ثم نظرت إلي من جديد، تلك النظرةالتي لم تتغير،عندما تكون زعلانة، وحزينة، وتريد أن تقول شيئا، وعندما بادلتها النظرة، ابتسمت: أشعر أننا لم نفترق يوما، كأني كنت البارحة معك، نتسلى بمنطقة الأشياء، فضحكت وقلت لها: إذا لا زلت تذكرين،
- طبعا أذكر، وهل هناك شيء آخر يستحق الذكرى أكثر من تلكالأيام، أجمل أيام حياتي، ....
- أتذكرين..........
وصرنا نستعيد الذكريات الجميلة ونضحكعليها، ....... كانت منسجمة معي، وكأن الدنيا هاهنا، وكأن العالم من حولها لم يعديعنيها، لا اعرف لما شعرت بأن برود التي تجلس أمامي شخصية مختلفة، لديها نزعة غريبة نحو الضحك والاستخفاف بكل شيء، كذلك فثمة حزن عميق يغتصب ضحكاتها،
كنت اراقبها عن كثب، كنت اتفرس في وجهها، بلا تخطيط مني، جرني شعوري إلى ذلك...
بَرود تلك الفتاة التي أثارت جنون الفتيات، وأشعلت غيرتهن في كل المناسبات، تجلس أمامي اليوم، بوجه ذابل، متعب، حزين متألم، لا مساحيق، وثوب تقليدي عادي، ....... لغتها الجسدية، تخبرني كم يؤلمها الجرح، ويداها الساقطتان على حجرها، تنمانعن عمق المأساة، وشفتاها الباردتان، تكتمان صرخة الكرامة، وأنين الهجر، عيناها التين كانتا تشعان بالحياة والشقاوة، أصبحتا راقدتين ساكنتين سكون القلق، والإحباطمعا،
وجهها يحتج على الألم، والألم يحتج على التعبير، والسعادة التيتبديها بلقائي، كفرحة طفل يتيم بطيف والدته في المنام، لعلي في هذه الحظة بالنسبةلها لست أكثر من رائحة الذكريات الجميلة، ولست أجمل من أسطورة مضت ولا سبيل لعودتهاسمها السعادة.........
انتبهت أني أراقبها، وهي تتحدث فصمت، ثمابتسمت: كدت أنسى أنك تتفرسين الوجوه، ......!!
ثم نظرت باعتراض مفتعل: لا أسمح لك.........،فابتسمت وقلت بترقب: ومتى كنت تسمحين،...... !!!!
قالت من جديد: أنا جادة لن أسمح لك بتحليلي ليس من جديد......!!!
فاسرعت لأسألها باهتمام: كيف حالك هل أنت سعيدة......؟؟
أجابت بتردد، نعم إلى حد ما، تعلمين للسعادة معاني كثيرة، فعن أي سعادة تسألين...
- اقصد السعادة، التي لا تحتمل التأويل، فهل أنت سعيدة يا برود، ...
- ما رأيك أنت..... هل ابدوا لك سعيدة....؟؟
- ما يبدوا لي يا برود لا يغني عن الحقيقة بشيء، فلعلك متعبة، ..
- تقصدين هذا الوجه المتعب، .. نعم صدقت أنا متعبة.. ولست سعيدة أيضا، .. والآن كفي عن تفرس وجهي، ... بالله عليك لم تتغير، لازلت تقرئين الوجوه حتى اليوم.... (( ثم صمت، فيما ألقيت نظرة على اطفالي لأطمأن عليهم ... فقالت من جديد: إذا فقد فعلتها وحققت حلمك، وأضحيت استشارية، وانبريت في حل المشاكل، سمعتك الطيبة وصلتنا، وسمعت عنك كل خير...
- وكيف سمعت،...؟؟؟
- قد لا تصدقين، لكن إحدى عميلاتك هي أمي، ......جاءتك إمرأة من فترة تشكو ابنها، تلك أمي، .....
- أمرأة تشكو ابنها، صحيح، ...... لكنها جاءت منذ فترة طويلة،
- نعم، وقد أخبرتني عن نصائحك، ولم تكن تعلم أنك صديقة قديمة،عرفتك من اسمك، ووصفها لك، فقلت هذه أكيد ناعمةصديقتي،....
- والدتك تبدو أصغر سنامنك،
- تلمحين، لا تلمحي، انا أعرفك، فلا تستخدمي معي هذه الخدعة،قولي لي مباشرة أني أضحيت بشعة وعجوزا، عادي، لن أزعل، فهذه حقيقة، كبرت، ......... تعرفين الأولاد يشيبون شعر الرأس،
- ابتسمت لها بلا تعليق، فقالت بتهكم: ماذا لا تصدقين .؟........ نعم إنهم الأطفال، وتضحك،فلولاهم، لطلبت الطلاق من والدهم الأناني ...... وتنهدت بعمق ٍ، ........... إنه سر تعاستي، ... اعتذر ان استخدمت كلمات تخدش سمعك، ...و أعتذر لأني اضحيت مختلفة، بت حاقدة....
تقول تلك الكلمات، وتلتفت نحو اطفالها لتطمأن عليهم، ... (( أنظري لهم، .... إنهم ابرياء لا يستحقون أن اغدر بهم، لأنجو بنفسي )) ثم تصرخ عاليا: ريتا خذي بالك الطفل سيسقط، ..... ثم تنظر لي مجددا، إنه نشيط جدا، أكثر من أخوته، أشعر به ينموا قبل أوانه، ...
فقلت موافقة: ما شاء الله، حفظه الله لك من كل شر.... ماذا تشربين يا برود، .....
- شاي، ....... كنت قد اشرت إلى النادلة في تلك الحظات، ..... لتقترب بدورها وطلبت منها الشاي، .... ثم التفت إلى برود من جديد وقلت :لا أراك حاقدة يابرود، بل مجروحة ربما، ، رفعت عينيها نحوي بنظرة ذات مغزى، فابتسمت لها مطمأنة وتابعت الحديث (( لا زالوجهكصادقا كما كان، ولا زلت المس قيمك الجميلة في محياك، أنت لم تتغير، إنما محبطة فقط، )) فردت بنظرة متسائلة تطلب المزيد، وكأنها تبحث فيني عن اثبات يعيد لها الثقة في نفسها، فتابعت قائلة (( أنت بخير، .... )) ثمة راحة كست وجهها، وروح علت وجنتيها فردت بهدوء وخجل (( كنت متأكدة أنك ستفهمين، وأني سأجد عندك اجابات لأسألتي، أردت زيارتك في مكتبك منذ زمن، لكني ترددت كثيرا، دائما كنت اتردد، كل مرة اضع لنفسي سببا لعدم زيارتك....... لا أعرف فلر بما خجلت من لقائك وأنا بهذا الشكل، انظري كيف أصبحت، كنت اتابع اخباركن من بعيد، وأعلم أن كل واحدة تزوجت واعتلت منصبا، وتتابع حياتها بنجاح، بينما أنا تعثرت حياتي كثيرا، .... لم أنجح عبر أي جهة فيها...... انجازي الوحيد في دنياي، أطفالي...
- كنت قوية جدا، كنت متفائلة دوما، .. أكثر ما جعلني أحترمك هو اصرارك الدائم على نيل الامتياز، مع ان من يراك لا يصدق ان لديك وقت للمذاكرة، فكنت رغم كل شيء د الأنيقة والجميلة، والمنظمة، ....
- كنت، نعم ذكريني بتلك الأيام الجميلة، تصدقين، على مدى سنوات زواجي المؤلمة، كانت ذكريات الجامعةكالمرطب، وكالتفريج عن همي، كانت اخر اجمل ايام حياتي حتىاليوم،...
- ألهذه الدرجة، ترى ماذا حل بك، لا أعتقدك من النوع الذي ينهار بسهولة، .. هل ثمة امراة في حياته، .. هل هو عاشق...
أومأت برأسها، بحزن ويأس، ثم رفعت عيون انبأت بهطول الدمع، فودت حقن الجرح، وقلت مسرعة: إذا متى سنضع خطةالهجوم، ....
ابتسمت بأمل وحماس، ورفعت كتفيها للأعلى وهي تناظرني باقتناع: اليوم إن شئت، يمكني أن أبدأ الآن في سرد حكايتي، يمكني أيضا ان أريك صورته، لتقرئيها، كما يمكني أن أسمعك مكالمة سجلتها له مع عشيقته، ولدي صور لها، كل ما تحتاجين إليه لتحللي شخصيته بحوزتي....
فقلت وقد علا وجهي الأستغراب- أوه، ما كل هذا، انت مستعدة إذا، ... نظرت لها مستنكرة وتابعت (( هل هناك من أخبرك بأني أقضي يوم إجازتي هنا، هل خطت لرؤيتي))... فأجابت بسرعة (( لا لا، أقسم لك أنها مصادفة، ومن سيخبرني، ...... لكني كنت أنوي زيارتك كما قلت، وأتردد، ولهذا في كل مرة أعد لزيارتك شيئا، هذا كل شيء)).
فقلت بهدوء : طيب، أعدك ان نبدأ العمل قريبا، تعالي نتحدث على العشاء،
فردت صديقتي بسعادة: توكلنا على الله،
قالتها بشخصية برود التي عهدتها طوال سنوات الجامعة،
برود ليست مجرد أمرأة، إنها أجمل امرأة تعرفت إليها يوما، حكاية امرأة تشبه في جمالها الحلم، وفي نقائها الثلج، وفي عنادها الصقيع،
برود حكاية امرأة ستجتاح الاحاسيس، وستذيب الحواجز، وتحطم المستحيل، وتشرق كشمس الربيع اليانعة على بساتين الحياة،
برود حكاية امرأة ستغمر كل بيت بالتفاهم والمحبة، وكل زوجين بالحب والسعادة، وستغزو القلوب، وتثري العقول، بالنور والسرور، إنها برود التي أحبت مطر.
أدعوكم قرائي الكرام، إلى احداث حكايتها، التي ستغير حياتكم، وتجدد مشاعركم، وتلهم حواسكم، وتثري عقولكم،
حكاية، لكل زوجة تبحث عن الحب الدافئ المفعم، .... ولكل زوج يجتاحه الحنين، إلى الشغف،
أهديكم برود ومطر....
رواية تشبهكم، منكم ولكم
حكاية امرأة
أحبت زوجا أحب سواها
فكيف السبيل إلى استعادته،
ستعيشون حتما حكايتها،
وتغرقون في تفاصيلمعاناتها
وستفرحون حيثستفرح
وستنجحون حيثستنجح
وستنبهرون، وتذهلون،وتسعدون
إنها حكاية برود،
سأرويها لكم كقصيدة، بأسلوب يناسب قلبها الماسي
وبقلم يكتب على سطور حساسيتها
كلمات تشبهها، فيرقتها
فأهلا بكن في روايتي الجديدة بَرودالمطر.
كيان امرأة يتحدث عبر السطور، ويعبر عن روح تتهادى في انسجام، كخطوات الزمن الماضي، وكوقع المطر على صفحات الزجاج،
امرأة تدرك نكهة الحياة، وتفسر طلاسم الأحداث، وإشارات الدرب المبهمة، بعينين جريحتين تتحدى المصير، سلاحها القلب، ودرعها اليقين،
تتوارى في صمت، خلف زوايا المسافات المظلمة لكن النور الذي يسكنها يغمر أرجاء الكون، ويلون المساحات بريشة أنثى، لا تعرف المستحيل،
كلماتها كانت تتساقط في قلبي كقطرات المطر الهادر، تتلو قصتها كخطيب الجمعة، تهدر كالبحر الغاضب، ........
ظلموني يا ناعمة، قيدوني بالسلاسل، ........... وعندما غرقت، رموني................ لآخر شحاذ طرق الباب،....... وسالت دمعاتها الثكلى، ........
وغامت عيناها، لكن نظرتها الحرة بقيت صامدة قاهرة للألم،
-بعد أن تخرجنا، وكل واحدة منا مضت في طريقها، عينت في وظيفة مرموقة، ....... وكما تعلمين كنت المميزة في الوظيفة، ........ وكان لي حظا وافرا من الخطاب، ..... دق بابنا القريب والبعيد، وإخوتي يا ناعمة لا يقبلون، فكل خاطب في نظرهم طامع، في ورثي من أبي، أو راتبي الكبير، وبقيت أنتظر الرجل الذي سيقتنعون به، انتظرت طويلا، حتى قلت فرصي، وصارت الناس تتحاشى طرق بابنا، ...... مرت الأيام، والسنوات، وبات حظي نزرا يسيرا، وبات أهلي يتذمرون...... وكأني السبب في عنوستي، ..... صار همي يكبر مع زواج فتيات العائلة الأصغر مني سنا،
وأنا أنظر، والدتي تتحسر علي، ...... ولتساعدني صارت تلمح للنساء من أقاربنا ومعارفنا بأننا بتنا مستعدون لقبول أي عريس ولن نعجزهم كما فعلنا سابقا،
لكن أحدا لم يحرك ساكنا، لم يتجرأ رجل على خطبتي، بعد كل المسرحيات الهزلية التي خاضها إخوتي في تشنيع الخطاب، وبعد كل الحكايات الملفقة التي نسبوها لهم، ليشوهوا سمعتهم في نظري، .........
كان إخوتي مستفيدون من راتبي، ومسيطرون على ميراثي، أكلوني حية ولم يبقوا مني شيئا، وعندما أفلست، تذمروا من وجودي وسموني العانس، الحاقدة التي تجلب النحس، تخيلي.......
فعندما يشب شجار بين أحدهم وزوجته، يعني أني حسدتهم، لأني أغار منهم، كوني لم أتزوج، وإن طلبت رفقتهم في السفر فلا محرم لي غيرهم، فهذا يعني أني متطفلة وغراب البين، وإن حاولت تسلية نفسي برفقة أبنائهم فيعني رغبتي في سرقتهم من أمهاتهم،
أصبحت شماعة الأخطاء، وخشخيشة الأطفال، ومتجر الأعذار، .......... فكل مشكلة هي لي ومني،
وأمي، وحدها أمي، كانت ملاذي، والتي تشعر بي وبعذابي، والتي حاولت بكل طاقتها إنقاذي، بطريقتها التي قد لا تعجبك، لكنها لم تكن تعرف دربا آخر،
بدأت يا صديقتي تدل بي على الأسر، وتخطب لي الرجال، ....... تصوري،............
لا تعاتبيني،
إن كنت لا زلت تذكرين، عندما قلت لك ذات مرة: بأن الزواج ليس كل شي، وأني لن أتزوج إلا شخصا أحبه، عندما تحدثنا كثيرا عن طموحاتنا في الرجل، عندما قلت لك أني لن أتزوج إلا من رجل يعرف قيمتي، ويتوجني ملكة على عرش قلبه، ......... وأني سأبقى دائما ذات التاج،
سرقوه، سرقوا التاج، ....... وجعلوني خادمة في بيت أبي، ...... قد لا تصدقين، لكن بَرود ذات الوشاح المخملي، مرت بالغابة، وفقدت حذاءها الأنيق، وتمزق ثوبها الغالي، أما وشاحها فلا تذكر عند أي منعطف سرقته الأشجار الشائكة، ....... لم تعد أحلامي مغرورة كما كانت، تنازلت مع الأيام، وأصبح الفارس الذي حلمت به ذات يوم في سيارته الفخمة، لا مانع عندي لو مر على بيتنا حافيا، المهم أن أتزوج، .........
لم أكن أعلم بأن الزواج مهم للمرأة هكذا ...... لو علمت لكنت فعلت المستحيل لأتزوج من أحد خطابي السابقين ولتنازلت عن كل ميراثي طواعية لإخوتي ليتركوني في حالي،
تحتاج لرجل، ......... ليشبع لديها هاجس الحب، ويملئ فراغ القلب،
نتزوج، لنصبح حبيبات رجل ما، في هذا الوجود، وما أن نتزوج حتى نكتشف أن الرجل الوحيد الذي يحق لنا أن نحبه، لن يحبنا أبدا.......
وبعد أن يئست كل محاولات والدتي في العثور على زوج لي، بدأت أبحث لنفسي، ..... وصرت أتصيد الرجال، ياه، بَرود تتصيد الرجال، أي ذل ذقته، ........
أصبحت أنتقل من تجربة عاطفية إلى أخرى بهدف الزواج، لكني لم أسمح لأي علاقة بأن تتمادى، فأنت تعرفيني جيدا، فقط كنت أسمح لهم بمحادثتي لمرة، وأخبرهم أني أبحث عن زوج، ...... لكن كل من يحادث لا يرغب في الزواج، ........
وجاءني بعد سنوات الجدب والعطش الطويلة، مطر، ....... زوجي الحالي، وأب أبنائي،
كان مطر ابن حارتنا، سافر منذ سنوات طويلة للخارج، ليدرس، لكن العالم الخارجي سلب لبه، فترك الدراسة وانصرف إلى اللهو، وبات يستدعي المال من أهله، حتى قضى على كل ما يملكون، وعندما عاد إليهم، عاد وبصحبته امرأة شقراء ادعى أنها زوجته، .......
فمرض والده مرضا شديدا، وأقسمت والدته بأن تتبرى من دمه إن لم يطلقها، ويتزوج إحدى نساء البلد، ....... فطلقها، كما قال للجميع، وهمت والدته بالبحث له عن عروس تليق بهم، واحدة منهم وفيهم، لكن أحدا لم يقبل به زوجا لابنته، بقيت تحاول كثيرا، حتى يئست، وكنت أنا خيارها الأخير، وجاءت تخطبني على مض، فأنا أكبر من ابنها، والعانس بلا مال، ودينها البنكي يكاد يرافقها مدى العمر، .......
لكن قدومها أحدث فرحة كبيرة في كل أرجاء البيت، الجميع دونما استثناء استبشروا ورحبوا بها، وحملوها على أكف الراحة، أشعروها بالكرم الكبير الذي تكرمت به علينا بتلك الزيارة، وكادوا أن يقبلوا قدميها شكرا وعرفانا، وبلا مقدمات ولا شكليات، وافق الجميع، واقترحوا تعجيل الدخلة، .....
فالكل يرغب في الإحتفال..... حتى أنا يا صديقتي، كنت مستعجلة، لم أكن أفكر في أي شيء، سوى أن أصبح عروسا ليوم واحد، ثم فلتنهار الدنيا بأسرها فوق رأسي لا مشكلة، المهم أن أنجو من ذل العنوسة، ........... منطق غريب، لم تعتاديه مني، لكنه الواقع، ولهذا ابتعدت عنك وعن كل صديقاتي فحين تزوجتن جميعا الواحدة تلو الأخرى، ....... أحسست بالنقص .....
وشخصيتي الشامخة التي طالما تعودت عليها تقوضت، وتقهقرت مع الأيام، وصرت شحاتة، ......أتسول خيال رجل في ثوب أخي المعلق على الشماعة، ........
كنت سعيدة، وأتخيل كيف سأقضي أول يوم معه، وأنا لأول مرة سأكون بصحبة رجل غريب وحدنا، وأفكر ماذا سأقول له، وكيف سأتصرف، ......... وفي غمرة أحلامي وانفعالاتي، رن جرس الهاتف في البيت، وصدف أن أرد بنفسي،
-ألو....
-ألو، السلام عليكم، ممكن أكلم بَرود
-أنا بَرود، من معي،
-مطر، كيف حالك،.....؟؟
-بخير، كيف حالك أنت ( وفرحت ورفرف قلبي من السعادة، تراه اتصل ليسمع صوتي، ويحدثني عن اجراءات الزواج، كم هذا ممتع)
-بخير، أريد أن أتحدث إليك بصراحة، أتمنى أن تتفهمي موقفي، أولا أشكر موافقتك على الإقتران بي، فهذا يسعدني، لكني ولأسف مرتبط عاطفيا بزوجتي السابقة، وقد أعدتها في السر، ولا أنوي الزواج من أخرى، ستقدمين لي خدمة كبيرة لو رفضتي الزواج بي، رجاء، فأنت تعلمين بأن والدتي عنيدة، ولا أستطيع رفض طلبها، أسعى لأن أجعلها يائسة، لتقبل أخيرا بزوجتي، حبيبة قلبي جوليا، هل تساعديني رجاء، أنا لا أحب سواها.
نزلت كلماته على رأسي كالصاعقة، حطمتني بعنف، وجعلتني كهشيم الخبز، ........ كبرادة الحديد، ...... كرمل الجبال الحالي، ...........
قتلتني كلماته، ودمرت آخر ما تبقى لي من كرامة، مزقتني ياصديقتي، بقيت صامتة لا أعرف ماذا أقول، لا يمكن أن يكون الظرف قاسيا هكذا، لايمكن أن أحتمل كل هذا العذاب في وقت واحد، يا ناعمة أذلتني الظروف حتى فقدت هويتي، ولم أعد أعرف من أنا.....
أغلقت سماعة الهاتف، بعد أن ودعت فرصة السعادة الوحيدة التي لا حت أمامي منذ سنوات، ومضيت نحو غرفة المعيشة حيث تجلس أمي مع زوجات إخوتي، يتحدثون عن ليلة الزفاف، ويعدون الإجراءات، اقتربت من أمي، وقلت لها أريد أن أتحدث إليك، ........
-خير فديتج تكلمي،
-على انفراد يا أمي .....
-إن شاء الله سيري حجرتج وياية وراج.......
دخلت والدتي الغرفة، وكانت لأول مرة تبدو بصحة جيدة، كنت أرمقها بانكسار، كيف سأشرح لها سبب رفضي، أظنها ستموت بين يدي،
حبيبتي، غاليتي أمي، قد أحتمل أن أبقى عانسا طوال العمر، وأعيش وأتأقلم، لكن كيف أجعلك لا تقلقين بشأني، قلت لها: هل أنت مرتاحة لهذا الخاطب،...؟؟؟
نظرت لي بهلع: (( عيوني فديت عمرج، لا تتين أريد أطمن الغالية عليج، دخيلج دخيل روحج، تراني ما بتم لج دوم، أريد أطمن عليج، في بيت زوجك، لا تحرميني، الريايل كلهم واحد، وأنت وشطارتج بتعدلينه، حبيبتي، اسم الله عليج، حسد وعين وصابتج، تعالي الغالية برقيج، ايلسي خلني اقرا عليج المعوذات........))
تتوقعين أني بالقسوة التي تدفعني لتحطيم حلمها...
تعتقدين أني أتجرأ على فطر فؤادها، لم أستطع،
وانسحبت نحو غرفتي متصنعة الفرح، ......... واختبأت هناك أنعي حظي، وتذكرت وجه والدي، وبكيت حتى الصباح،
وعندما بزغ ضوء الشمس، كنت قد تحولت، ........ من فراشة جميلة، إلى بزاقة مزارع لزجة، تتقن الإلتصاق، .....!!!!
وقررت أن أمتهن البلادة، وألبس ثوب الغبيات الثقيلات، ..........وعندما اتصل في مساء اليوم التالي:
هل أخبرتهم،......؟؟
-لم أتجرأ..... فظرفي أصعب من ظرفك، أمي قد تموت، فأنت كما ترى فرصة ...... لعانس مثلي.
-هل تتزوجين من شخص يقول لك بأنه يحب امرأة أخرى،
-لا خيار،
-أي النساء أنت، قلت لك أحب زوجتي السابقة، وسأعيدها حالما تحين الفرصة، وهذا الزواج لن يتم، وسأترك في يوم الزفاف وحيدة على الكوشة،
-إفعل ما شئت، .......... أنت الرجل حدث والدتك .......
-هل يعقل، لا أصدق ما أسمع، هل بلغ بك اليأس لتزوجي من رجل يعلن لك رفضه لهذا الزواج، وحبه لامرأة أخرى، .........
- أمي يا مطر لن أقتلها.............
وتم الزواج وهو حاقد علي كل الحقد، ويتوعدني بالذل والهوان، ................... لماذا تحدقين في وجهي، هل بقي في وجهي ماء تتفرسين فيه، لقد سال كل الماء، وانسلخت من جلدي، وأضعت كرامتي في متاهات، ....... لا أعرف من أدخلني فيها، فأنت تعرفين أني لا أحب المتاهات، وحدك تدركين، كم كنت أتحاشى العب في متاهات الحدائق، تذكرين كيف كنت أمنطقها،
المتاهة حجرة نضيع فيها الأوقات، والأوقات أعجوبة، تتباطأ في المتاهات.
- ما الذي جرك لكل هذا اليأس، في أي سن تزوجت......؟؟
- في التاسعة والعشرين، .............. لم يكن السن هو السبب، بل الأجواء التعيسة التي أحاطت بي، هي التي دفعتني لكل ذلك اليأس، لي قرينات لم يتزوجن حتى الآن، لكنهن لازلن يحلمن بالزوج المثالي، أنا فقط عانيت ظروفا دفعتني لتسول الزوج.
راودني أمل عنيد، وحلم جميل بأن أجعله بعد الزواج يكتشف الفتاة الحلوة التي تسكني، وأن يساعدني قربي منه على كشف مواطن الجاذبية في شخصيتي، كنت رغم كل الظروف أثق في ذاتي، وقدرتي على إثارة إعجاب الآخرين بي، وعللت لنفسي عذاب كرامتي، بأني سأستعيد كبريائي قريبا، عندما أجعله أسير حبي، ورهين الشوق في فلكي،
اعتقدت أن الأمر أسهل بكثير من سلق البطاطا، .......
وسألتني بخبث: هل لازلت تسلقين البطاطا قبل أن تعدي طبق المحشي، ........ ونظرت لي بنصف عين، ...... مبتسمة، فقلت لها: أيتها الشريرة، حتى و أنت تشكين معاناتك لا يفوتك تذكيري بذلك، اطمأني فقد تعلمت كيف أعد محشي البطاطا دون سلقها، هلا أكملت الرواية،
- هل لا زلت تعانين الفضول نحو الأحداث، ....... بعد كل تلك السنوات؟
- لا ......... ، تعرفين أني مهتمة بالتحليل، ...... أكملي وإلا تركتك، وذهبت ألعب السلة مع تلك النسوة،
- من المؤكد أنك تمزحين، طوال حياتك تخشين نساء السلة، أجسادهن الضخمة تخيفك، لكنهن يمتلكن ميزة جميلة،....... إنهن قادرات على ارتداء الأحذية الصحية بلا كعب، ويبدون بها طويلات أيضا، .... لذلك أعلم لما تمنيت ذات يوم أن تكوني لاعبة سلة،
- أيتها المجنونة، ...... كم مرة قلت لك بأني قادرة على لبس هذا النوع من الأحذية، وأني أحبت أن أكون من نساء السلة بسبب قدرتهن على القفز عاليا، مما يسهل علي التقاط بعض ثمار المانجا النامية في فناء دارنا، كيف أصبحت تنسين الوقائع، بالفعل أصبحت عجوزا تخرف،
- هل لازلت تلعبين الطائرة،......؟؟؟
- ليس حتى اليوم، وأنت .....؟؟
- تصوري هذا الشيء الوحيد الذي لازلت أزاوله، لذلك أنتظم في زيارة النادي،
- جيد، يبدو جسدك مشدودا رغم ذبول وجهك، .... والآن أكملي الأحداث،
- أين توقفنا؟ ......... نعم تزوجنا وفي ليلة الزفاف، أدخلته والدته بعد أن حلقوا له وحمموه رغما عنه، وعندما رمقني أجلس على الكوشة وكانت تلك أول مرة يراني فيها، لاحظت نظرة دهشته الطويلة، إذ لم يتصور أن أكون جميلة، لربما تصور أن قلة جمالي هي السبب في عنوستي،..... بدا معجباً ولا تعلمين كيف استعدت في تلك الحظات بعض كرامتي، وارتفعت معنوياتي، وبشكل خاص عندما مال برأسه علي،
وبدأ يحدثني: لم تقولي لي بأنك جميلة،
فقلت: لم تعطني فرصة لأخبرك،
قال: جيد، فبعض الوصف لا يغني كثيرا عن الواقع، ...... ألست أكبر مني بسنتين، أراك أصغر سنا،......
قلت: لأنك شاحب، فقلبك أسود كوجهك،
ضحك: وتعرفين كيف تنتقمين، ......
قلت: نعم، أعرف، سأريك اليلة، ........
ضحك: سنرى من سيري من ؟؟
ثم جلس بقربي، ومد يده بجرأة ليمسك يدي، ولا يمكني أن أصف لك نظرة الفخر التي علت وجهه، تناقض غريب وعجيب، بدا سعيدا،
- حجزوا لنا في الفندق، لكني سأبيت بك في بيت أهلي، لأجعل ليلتك ليلكي.
- لا بأس، فجل ما يسعدني اليلة أن أنام بعيدا عن وجهك.
- وجهي الذي تحبين، متأكد أنك مغرمة بي، لذلك تتزوجين، لأول مرة في حياتي أعرف أن الرجال يرغمون على الزواج ... مثلك طرفة يجب كتابتها في موسوعة الطرف العالمية،
- شكرا، ( واغتمت نفسي، وكدت أبكي، فكلامه جرحني، وخوفي على الكحل أنقذ دموعي من السقوط)
- مابال يداك ترتجفان، ..... هل بدأت أثيرك،
نظرت للأسفل، فقد خدش حيائي، كلامه مباشر ولم اعتد ذلك شعرت بالخجل الشديد،
- بل أشعر بالخجل والتوتر بسبب تحديق الناس.
- حلوة، أنت حلوة، فليحدقوا كيفما شاؤوا.
وعندما أصبحنا وحدنا لم يتردد، ولم ينتظر، ......... بدأ مباشرة في مداعبتي، وكأنه ليس ذلك الرجل، الذي أقسم أنه يحب جوليا، ولا يعشق سواها، وتخيلي بدلا من أن أتعايش مع لحظات الجماع، صرت أفكر في حديثه عن حبه لجوليا، وكيف يجامع بكل هذه الرغبة، إن كان لا يحب سواها، ........... الرجل كائن غريب،
وأصبحت عروسا بشكل رسمي، وجاءنا المهنؤون من كل مكان، وعند الظهيرة عاود الكرة، وبعد المساء أيضا، .......... وفي اليل، كنت متعبة، وبدأت أشعر بالحرقان الشديد، واتصلت بوالدتي أسألها كيف أتصرف،
أمي لا أعرف ماذا أقول، أخجل منك، لكني أعاني من حرقان،
ردت والدتي بفرح كبير: الحمد لله، إذاً فقد حصل الحمد لله، عادي هذا الألم عادي سيختفي بعد عدة أيام، ....... إن لاحظت سقوط دم غزير زوري الطبيبة، فيما عدا ذلك كل شي طبيعي، نامي على الجنب، وأغلقي قدميك، ومبروك الغالية الله يستر عليج يابنتي، في أمان الله،
وعندما دخل الغرفة في تلك اليلة، نظر لي برغبة، فقلت صارخة: لا أرجوك، قد أموت بين يديك لا تنس أني عروس جديدة ارحمني، كل هذا وأنت تحب جوليا، ....... ماذا كنت ستفعل لو لم تكن تحبها..........
نظر لي باستغراب وقال: وما دخل الحب فيما نفعل، أنت زوجتي.......... حلالي، سواء أحبتك أم لا.
أيها الماكر، قلت في قلبي، بل إنك لا تستطيع مقاومة جاذبيتي الجسدية، ولن أترك حتى تغرم بي، أجلاً أم عاجلاً، ..........
- ماذا تقصد.........؟؟
- أقصد أن الحب شيء، والجماع شيء آخر، وما دمت قد قبلت بهذا المصير ( مجرد زوجة) فلك ذلك، بصراحة أنا لا أحب هذا النوع من الزيجات، فالزواج في نظري علاقة تتوج الحب، وليس حبا يتوج الزواج......
- إذا أنت ممن ينادون بالإنفتاح ......
- أي انفتاح تقصدين، ......... وعلى قصدك تعتمد إجابتي، فأنا بالفعل أشجع انفتاح........ ( ثم أشار إلى قدمي، فهمت قصده، وجريت من أمامه) .....
قضيت معه أسبوعا رائعا، لم يشعرني في أية لحظة منها بنفوره، أو رفضه، كما لم أره يحدثها، وكأنه لي وحدي، لاحظت أنه منجذب نحوي، ويعاملني كأميرة حقيقية، حتى أني أحبته، من كل قلبي، وتمنيت لو أنه غير متزوج، شعرت في ذلك الأسبوع بالأمل في حياة كريمة حياة عاطفية، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن،
بعد أسبوع وجدته يعد حقيبة صغيرة، ويضع فيها ملابسه، وبجوار الحقيبة تذكرة سفر، فصعقت، اقتربت منه وسألته: إلى أين،
- مسافر.
- كيف....؟؟،
ولم...؟؟،
نحن لازلنا في شهر العسل.
- أي شهر عسل، هل وعدتك به، هل تقرين كما تشائين، ....؟؟
- ماذا تقصد، إن ماتفعله عيب، كيف تتركني بعد أسبوع من زواجنا، ماذا سيقول الناس..؟؟
- أي ناس، لا أحب هذا الأسلوب، إن كنت تمانعين سفري قولي لي ذلك، لا تضعي كلام الناس في الموضوع، لأني لا أبالي بكلام الناس....... تخلف ورجعية..... أيتها الرجعية.
جرت نفسا طويلا، وأخرجت آخر ثائرا، ثم اندفعت إلى حقيبته وبدأت أخرج الملابس وألقي بها بعيدا، فأسرع نحوي وأمسك بيدي بقوة: مالذي تفعلينه......؟؟
- لن أسمح لك بالسفر، هل ترغب في إهانتي أمام الآخرين، كيف تجرؤ، ماذا فعلت لك، ماذا جنيت في حقك لتهيني بهذا الشكل.....؟؟
- تزوجتِ بي رغما عني، لترضي نفسك، وتنقذي نفسك من كلام الناس، والآن ترغبين في منعي من السفر بسبب كلام الناس، أنت عبدة للناس، ..........!!!!
- بل هي العادات، لا يحق لك أن تتركني بعد أسبوع من زواجي........
لكنه تركني وبدأ بإعادة ملابسه للشنطة، وأنا أنظر له بحسرة، وضربات فؤادي تتسارع من شدة الخوف، كيف سأشرح لوالدتي الظرف، وماذا سأقول للناس، .... اقتربت منه من جديد، وبصوت متوسل هذه المرة:
أرجوك، انتظر أسبوعا آخر، لا تعرضني لهذه المهانة، أرجوك.
- الآن اتبعي معي أسلوباً جديداً، ...... وفري ألاعيبك، سأسافر حتى لو أدى ذلك إلى قتلك، سأسافر، لأرضي زوجتي التي تسببت في زعلها، سافرت ليلة زفافنا، وسأذهب لأعيدها فهي أهم عندي منك، ويكفي أني جاملتك أسبوعا كاملا، يكفيك، ...... أسبوعا لم تحلمي به.....
وجر شنطته وخرج وسط ذهولي، .....
...
انهرت على السرير أفكر، ماذا؟؟ ....... لكني وجدت نفسي أفكر في أمر ٍ آخر، في شعور مختلف، بالغيرة، والحزن ..... وجدتني أتساءل كيف سأحتمل فراقه هذه اليلة، أحبته، ومن تلك القادرة على معرفة هذا الرجل ولا تحبه، إنه لبق، يعرف كيف يثير أحاسيس ، يغازلني مطولا قبل الجماع، ويداعبني بطرق ٍ مختلفة، وعندما نتناول الطعام، يضع أمامي ألذ الأصناف، ويقطع لي الحم ليسهل علي تناوله بالشوكة، ......
استغربت يا صديقتي كل هذا التناقض في شخصيته، فعلى الرغم من رفضه لي، عاملني برقي وشهامة، وجعلني أعتقد أنه فارس أحلامي المنتظر، وبأسلوب جعلني أعتقد أنه أحبني، ..... لكني لم أفهم، كيف يعاملني هكذا ثم يتركني ليسافر لأخرى، ......كيف، فسري لي ما فعله ......؟؟ اشرحي لي لم فعل ذلك..........؟؟
أحل الله للرجل الزواج من اثنتين وثلاث وأربع، وهيأه نفسيا وبدنيا وعقليا أيضا للقيام بهذه المهمة، لذلك فهو قادر على التعامل معهن جميعا بنفس المقدار من الحب والإهتمام في وقت واحد، دون أن يشعر بالتشت أو العصاب، أو ينتابه القلق إزاء الأمر، فيما تصاب بالأمراض النفسية لو فعلت ذلك، ......... والحكمة في قوله تعالى:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ))
تعود من باب خبرتي إلى حالة أخرى، وهي العشق، أو الإحترام المصحوب بالهيام، فالرجل الذي يتزوج من عدة نساء يحبهن جميعا في وقت واحد إما بتساو ٍ أو بتفاوت، لكنه إن عشق إحداهن، أصبح من الصعب عليه أن يعطي الأخريات حقهن العاطفي أو الجنسي، ..... ولهذا حذر القرآن في (( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ))
إقبال مطر الجنسي عليك يشير إلى أنه لا يعشق امرأة في ذلك الوقت، وقلبه لازال حرا طليقا، في انتظارك، إن كنت تتقني فن التعامل مع قلوب الجنوبين.
- الجنوبين، وهل زوجي جنوبي،...؟؟
- أعتقد ذلك، بنسبة ثمانين بالمئة، والله أعلم، ويبقى الجزء الآخر قيد الصورة، ما فئته الدموية؟
- أو موجب.....!!!
- جيد، رجل كريم معطاء، جنوبي غربي.
- وما هي صفات الجنوبي الغربي....؟؟
- أبرز صفاته المشهورة الرومانسية، وحبه للبقاء فارس النساء، .....!!
- ماذا تقصدين بفارس النساء؟
- يحب أن يبقى مصدر إعجاب للنساء من حوله طالما لا يعشق إحداهن، ويكون ثقته بنفسه في هذه الفترة على عدد النساء من حوله.
- هذه مصيبة، ...... إن ما سأخبرك به لاحقا سيؤكد ما تقولين، آآآآآآآه لو تعلمين..
- كان بإمكانك الحصول على قلبه، قدم لك أكثر من فرصة لم تشعري بها،...
- كيف........؟؟
- عندما اتصل بك أول مرة وأخبرك أنه لا يرغب في إتمام الزواج، أخبرته بساطة أن ظروفك الإجتماعية تمنعك من الإنسحاب،
- وهذه هي الحقيقة،
- لكنها جارحة.....
- جارحة له أم لي.
- بل له أولا، فعندما تشعرينه أنك قبلت الزواج به فقط للهرب من العنوسة فهذه إهانة كبيرة له، وأعتقد والله أعلم أن هناك من أخبره بذلك، فهل تحدثت أمام أي أحد عن الأمر؟
- لا أذكر، ......... ربما، جارتنا أم عبيد، كانت تحقد علي بعد أن رفضت ابنها، قبل سنوات، وكان قد تزوج عندما قبلت الزواج من مطر، زارتنا ذلك اليوم، وبدأت تعاتب والدتي بشي من الغيظ، إذ كيف قبلنا بمطر الذي تراه أقل شأنا بكثير من ابنها بينما لم نقبل بهم، وردت عليها والدتي بأن البنت كبرت وصار عليها أن تتزوج، وعندما انتقل الحديث إلي قلت لها رجل والسلام، أنا غير مقتنعة به، فهو لم يكمل تعليمه، ومتزوج من كافرة، ولا أعتقد أنه يليق بي، لكن ماذا أفعل يا خالة هي الفرصة الوحيدة،
- هل تعتقدين بقدرتها على نقل الكلام،
- لم لا، إنها مشهورة بذلك .... كما أذكر ........... قلت نفس الكلام في حضور زوجة أخي الأوسط، وهي أيضا تحقد علي بسبب شجار قديم،
- قد تكون إحداهن نقلت الأمر لأهله، ......... أو حتى له شخصيا، فلا يمكنك تصور خبث النساء،
- معقول........!!!
- كل شيء معقول، لو أخبرتك كيف تفعل الأخت بأختها أسوأ من ذلك، للزمت الصمت في قضاء أمور حياتك،
- هل تعتقدين أن كلامي السبب ....... لذلك طلب مني رفضه علانية،
- الجنوبي على وجه التحديد، لا يحب الزواج من امرأة لا تقدره، ولا ترغب به، مهما كان شأنه بسيطا، يحب أن يتزوج من امرأة مغرمة، أو على الأقل لديها بعض التقدير، أو حتى القبول،.....
- لكني أفسدت الأمر، عندما أخبرته أني أتزوج به للحفاظ على صورتي الاجتماعية،
- بل كنت قليلة التهذيب للأسف، فنحن نتعلم كيف نتعامل باحترام وذوق مع الغرباء، لكننا نهمل الذوق مع أهم الأشخاص في حياتنا، أولئك الذين سيعاشروننا سنوات طويلة، وقد تكون للأبد.
- لم يكن لدي خيار، ماذا كنت سأقول له، رفضه لي جرح كرامتي، ولم يخطر بالي أن أسأله عن الأسباب، أو أتوقع وجود وشاية في الأمر،
- في كل الأحوال الذكية لا تعلق مشاعرها على شماعة المجتمع، كان بإمكانك أن تخبريه بأنك كنت سعيدة بتقدمه لك، وافقت عليه لأنك صليت استخارة، ....... إن كنت قد فعلت، فهذا يرفع المعنويات ولا يحط من قدرك،
- وإلى أي مدى يؤثر ما حدث في حياتنا الحالية.....؟؟
- إلى المدى الذي يجعله يعاشر العديد من النساء، ويتعرف على الكثيرات ليذلك.......
- مستحيل، .......... إن ما تقولينه هو ما يحدث اليوم، لو تعلمين، فقط لو تعلمين،
- أكاد أجزم أنه يتعرف على النساء ........ بينما يترك تتفرجين، ويحرص على جعلك مفتوحة العينين لكل ما يقوم به، ليثبت لك ما لم يستطع اثباته بالمعاملة الحميمة.
- ماذا تقصدين..........؟
- بعد الزواج، حاول التقرب منك، لكن وجودك في إطار التجربة السابقة تجربة رفضه لك حالت بينك وبين رؤية الواقع آنذاك.
- كيف..... أحيانا أشعر أنك تتحدثين في ألغاز.
- ليست ألغازا، هي معادلة بسيطة، عندما تأخر زواجك، وجاءت أمه تخطبك، كان بالنسبة لك الذليل الذي لم يجد امرأة تقبل به، وبناء على ذلك تصرفت، والأسوأ عزة نفسك، أو لنقل غرورك، الذي أصابه بمقتل عندما علم الناس قبولك به، أنت التي كان أهلك يفاخرون بك، ويتشدقون، لذلك بدأت تتحدثين عنه بالصورة التي تخف من إحساسك بالذل،
هذه حيلة تتبعها الكثيرات، بل الكثير من الناس، فعندما نضطر ذات يوم لارتداء ثوب بال ٍ، نقول كنت على عجلة من أمري، ولم أجد غيره أمامي، بدلا من أن أقول، هذا الاستايل يعجبني، والواقع أن العبارة الثانية أفضل بكثير من الأولى لأنها ترفع معنوياتنا شخصيا، وتقنع الآخرين بما نقول غالبا،
ومن هنا كان الأجدى بك أن تقولي للجميع، إنه تجربة أحب أن أخوضها، أو هذا الرجل يعتبر بالنسبة لي تحديا، فقد عاصر الحياة في مكان مليء بالتحديات، الكثير من العبارات التي لا تضر إحساسه، ولا تجرحه كرجل، كما لا تحط من قدرك كامرأة.
- وماذا فعل هو ليشعرني برغبته بي، هو أيضا جرح إحساسي،
- بل تقدم لخطبتك، في وقت كنت فيه تعانين، إن خطبته لك في حد ذاتها تقدير، ولا يقدم رجل على خطبة امرأة لا يريدها، حتى و إن كانت أمه من قامت بذلك،
- خطبني بعد سلسلة من المحاولات،
- لكنه تقدم لك، سواء بعد سلسلة من المحاولات أو لا، ولو فكرت قليلا، لوجدت أن غيرك من الفتيات كن بانتظاره، فكم من فتاة في حارتكم كانت ترغب في الزواج،
- كان هناك كثيرات، وسمعت أن ثمة فتاة كانت ترغب به، لكنه لم يرغب بها،
- أرأيت،...... تخدعنا أحاسيسنا والمظاهر الخادعة، بينما يمكننا أن نفعل الكثير ونجني الأفضل لو فكرنا بحكمة، بقليل من الحكمة، عندما اتصل بك وطلب إنهاء الخطبة، أكدت له كم أنت متوحشة، .....
- متوحشة؟
- نعم، الرجل الجنوبي، يعتقد أن التي لا تعبر عن مشاعر الحب أو الإعجاب، متوحشة، وعندما أخبرك أنه يريد إنهاء الخطبة، ذهبت لإخباره بأنك مضطرة للإستمرا من أجل الحفاظ على موقفك الإجتماعي، وهذا رد قاتل فيه مهانة لكيانه كرجل جنوبي، فلو أخبرته بأنك ترغبين في إتمام هذا الزواج لما لديك من مشاعر له، ولأنك تعتقدين أنك قادرة على اختراق قلبه لكان رداً أكرم بكثير،
- سبحان الله، اعتقدت أن ردي هو الصح، لأنقذ كرامتي وأمنعه من السخرية مني،
- يحترم الرجل الجنوبي كثيرا التي تعبر عن مشاعرها وإعجابها نحوه، يحبها وإن كانت قبيحة، أو ذات مستوى اجتماعي متدن، أو مهما كانت عيوبها، يقدرها لأنها أحبته ذات يوم، على عكس ما تتصورين،. إنه لا يقدرك اليوم، ويشعر نحوك بالإشمئزاز، فأنت في نظره إنسانة مجردة من المشاعر، ويراك كغولة تلتف من حوله لتسرق سنوات شبابه، وأعز لحظات حياته، لتنجو بنفسها من كلام الناس،
- كأنك تصفين ما أراه في عينيه كلما رآني،
- كلام الناس، الذي جعلته شماعة لتضعي عليها كل احباطاتك، كانت كارثة أخرى، فرجل عاش سنوات طويلة في الخارج، لا يول ِ أية أهمية لكلام الناس، ولهذا وصفك بالرجعية، إنه لا يحترمك أيضا،
- كل هذا حدث في الأسبوع الأول،